كان هناك صياد يعمل عند صاحب عمل يعطيه أجره بضعة سمكات في كل يوم.
وذات مرة اصطاد الصياد سمكة رائعة، فتأملها وأشفق عليها وحكم « بأنها مخلوق حي مثلنا، وليست لديها رغبة بالموت قط»
وحينئذ نطقت السمكة بصوت إنساني:
أصغ إلي أيها الإنسان!! عندما استوليت عليّ في شبكتك كنت ألعب مع أصدقائي، والآن لا بد أنهم سيقلقوا من أجلي، وبالنسبة لي سأختنق خارج الماء، فكن لطيفاً وارمني من جديد في النهر…
أطاعها الصياد قائلاً:
- اسبحي كما يحلو لك أيتها السمكة الجميلة، واكبري، فأنا لا أريد أن يحزن أهلك وأصدقاؤك لفقدك…
وعندما علم صاحب العمل بما فعله الصياد، غضب غضباً شديداً، وصاح بالصياد :
- أأحمق أنت، لماذا رميت بالسمكة إلى الماء؟ اغرب عن وجهي فلا أراك بعد اليوم أبداً…
وتساءل الصياد وهو يعود إلى بيته فارغ اليدين « ماذا سأفعل الآن؟»
وبينما كان يمشي هكذا فريسة لهذه الأفكار الحزينة، رأى جنياً في مظهر إنسان، وكان يدفع أمامه بقرة، فسأله الجني:
- صباح الخير يا أخي، لماذا أنت حزين جداً؟؟
حكى له الصياد حادثته المزعجة، فقال له الجني حينئذ:
- أترى هذه البقرة الحلوب؟ سأعيرك إياها لثلاث سنوات، وستعطيك في كل الأيام كثيراً من الحليب، وستتغذى به أنت وزوجتك، لكن احفظ هذا جيداً: فبمجرد أن تنقضي السنوات الثلاثة سأعود، وأطرح عليك أسئلة، فإن أجبتني عليها ستكون لك البقرة بشكل نهائي، وإن لم تجبني عليها سأفعل بك ما أرتئيه مناسباً لي، فهل تقبل؟؟ فكر البائس «اليوم محكوم علي بالموت جوعاً، وأخذ البقرة سواء، وهكذا سنستمر ثلاث سنوات، وبعد ذلك، إن ابتسم الحظ لنا نستطيع الإجابة على أسئلة الجني».
وبحليب البقرة استطاع الزوجان العيش، ولكن بقدر ما كان الموعد المحدد يقترب، كان البائس وزوجته يمضيان أمسياتهما غالباً في التأوه والنحيب، وهما يفكران فيما ينتظرهما…
وهكذا مضت السنوات الثلاثة، وبينما كانا يجلسان مهمومين على عتبة منزلهما، ظهر أمامهما فجأة شاب جميل جداً وحياهما:
- ليكن مساؤكما لطيفاً جداً، إنني تعب والوقت متأخر، ألا أستطيع أن أمضي الليلة تحت سقفكما؟؟
- سنستقبلك بسرور كبير، لكن مصيبة كبيرة تتهددنا هذه الليلة، فلقد أعارنا جني بقرة لنقتات بحليبها خلال ثلاث سنوات، واليوم تنتهي هذه المدة، والجني سيعود بعد قليل ويطرح علينا أسئلة، فإذا عرفنا الإجابة عليها سيترك لنا البقرة نهائياً، وإلا فسنصبح عبيده، ونحن لا نريد أن يصيبك ضرر أيضاً، فقال المسافر: «فليحدث ما يحدث»، وبقي عند الصياد…
وعند منتصف الليل بالضبط، هزت الباب طرقات
- من هناك؟؟
- الجني!! لقد انتهت السنوات الثلاثة، إنه وقت الإجابة على أسئلتي، فقال الزوج والزوجة له، يائسين:
- لن نعرف أبداً
لكن ضيفهما الشاب طمأنهما:
- لا تخافا شيئاً سأجيب بالنيابة عنكما، واقترب من الباب…
زمجر الجني:
- أنا هنا خلف الباب!!
فرد الشاب بهدوء:
- وأنا أيضاً!!
- من أين أتيت؟؟
- من الطرف الآخر للبحر!
- كيف أتيت؟؟
- راكباً فوق برغوث أعرج!!
- كان إذن صغيراً جداً هذا البحر؟؟
- إطلاقاً، نسر لم يكن يستطيع عبوره!!
- نسر مولود حديثاً تريد أن تقول؟؟
- أبداً، فبجناحيه المنشورين يستطيع أن يغطي مدينة بالكامل!!
- إذن مدينة صغيرة تماماً!!
- هيهات، فأرنب لا يستطيع اجتيازها في مباراة للعدو!!
- آه، أجل، أرنب صغير بدون شك!!
- قطعاً لا، فمن جلده يمكن تفصيل معطف رجل مع طاقية فضلاً عن ذلك!!
- هذا الرجل قزم إذن!!
- إنه طويل القامة جداً، حتى أن صياح ديك واقف على قدميه، لن يصل إلى أذنيه!!
- إنه أطرش إذن!؟
- إنه يسمع أيلاً يرعى في الطرف الآخر من الجبل!!
لم يعد يعرف الجني ماذا يقول، ولا أية أسئلة يبتكر أيضاً، فمكث لحظة صامتاً خلف الباب، ثم اختفى في الليل، فتنفس الرجل والمرأة الصعداء، وعندما بزغ الفجر قال لهما الشاب: وداعاً، قبل أن يستأنف طريقه من جديد، فقالا له، وهما يسدان عليه درب المرور:
- لا لن نتركك ترحل هكذا، لقد أنقذت حياتنا!! فقل لنا ماذا يمكننا أن نفعل لنشكرك؟؟!!
فأجاب: - لا شيء، ينتظرني طريق طويل.
فألح الرجل: - قل لنا ما اسمك، فلنعرف اسمك على الأقل!!
فرد الشاب: أنت تعرف المثل الذي يؤكد أن عمل الخير لا يضيع أبداً، إيه حسناً، أنا السمكة المتكلمة التي أشفقت عليها ورميتها في الماء…
وعلى هذه الكلمات اختفى الشاب المجهول…