كان
هناك جندي يمشي في طريقه عندما قابل ساحرة شريرة عرضت عليه أن تمنحه
أموالا كثيرة إذا قدم لها خدمة صغيرة ، و أشارت له إلي شجرة كبيرة مجوفة ، و
قالت له أن يدخل في جوفها,و أعطته منديلا سحريا معه, و بداخلها سيجد أمامه
ثلاثة أبوابا لثلاث غرف.
و قالت له أن يغترف من صناديق النقود التي سوف يجدها ما يشاء, أما هي فلا تريد النقود بل تريد شيئا واحدا فقط .
إنها قداحة قديمة سوف يجدها عند الصندوق الثالث و هي غير ذات أهمية للجندي و لكن الساحرة تهتم بها . فوافق الجندي.
في
الغرفة الأولى سيجد صندوقا مليء بالنقود النحاسية يحرسه كلب ضخم بعيون
واسعة مثل فنجان الشاي . فيجب عليه أن يفرش المنديل السحري و يضع الكلب
عليه بهدوء كي يترك له صندوق النقود يأخذ منه كيفما يشاء.
و هذا ما فعله الجندي .
وضع الكلب على المنديل السحري و ملأ جيوبه بالنقود النحاسية.
ثم اتجه للغرفة الثانية.
أما
الغرفة الثانية ففيها كلب آخر ذو عينين واسعتين كعجلة الطاحونة. يجلس على
صندوق كبير مليء بالنقود الفضية . فيجب على الجندي أن يفرش المنديل السحري
على الأرض و يضع الكلب عليه إذا أراد أن يأخذ هذه النقود النحاسية.
و هذا أيضا ما فعله الجندي . فافرغ جيوبه من النقود النحاسية و ملأها بالنقود الفضية. لأن الفضة طبعا أثمن من الذهب.
و
في الغرفة الثالثة , وجد الجندي كلبا كبيرا عينيه كبرجين يجلس على صندوق
آخر مليء بالذهب . فلما رأى هذا فرش المنديل السحري على الأرض ووضع الكلب
عليه و افرغ جيوبه من النقود الفضية و اغترف من النقود الذهبية ما استطاع
حمله ، و هو يمنى نفسه بأنه سوف يكون من الأغنياء و سوف يودع حياة البؤس
والشقاء.
و لكن بعد ذلك شك الجندي و ساورته الشكوك في نية الساحرة الشريرة. و بعدما وجد القداحة ، خرج من الشجرة المجوفة و سأل الساحرة:
ماذا ستفعلين بهذه القداحة القديمة؟ ولماذا أنت مهتمة بها؟؟؟
فرفضت الساحرة أن تجيب على هذا السؤال و قالت له:
هذا ليس من شانك أيها الجاحد للجميل
أنت أخذت من النقود ما يكفيك لباقي عمرك . اعطنى قداحتي الآن..
و بدأت في تهديده..........
فقال الجندي:
إذا لم تجيبي عن سؤالي هذا فأنى سأستل سيفي و اقطع رأسك..
وهذا ما حدث، قطع الجندي رأس الساحرة و هرب إلى أقرب مدينة ،واضعا القداحة القديمة العجيبة في جيبه......
و
ذهب الجندي إلى اقرب مدينة وقد كانت مدينة جميلة فعلا فنزل في أضخم
فنادقها و سرعان ما التف حوله الأصدقاء ، عدد كبير من علية القوم و اخذ
الجندي يعيش حياة البذخ والإسراف.
وصرف الكثير من النقود التي حصل عليها من الصندوق المليء بالذهب .
و هؤلاء حكوا له من غرائب و عجائب مدينتهم ، و خاصة ابنة الملك الجميلة .
و عندئذ سألهم الجندي : " أين يمكنني أن أراها ؟ "
فأجابوا
قائلين : " ليس مسموحا رؤيتها علي الإطلاق ؛ فهي تقيم في إحدى القلاع
العالية المحاطة بالأبراج و الحراسة المشددة لأن والدها الملك سمع إحدى
النبوءات بأن ابنته الغالية سوف يتزوجها جندي و هذا ما لن يسمح به أبدا.
و بسبب حياة البذخ و الإسراف أفلس الجندي و انفض من حوله أصدقائه. و لم يعد يعيش في الأماكن و الفنادق الفاخرة.
بل انتقل إلى مكان آخر بسيط و حقير .
و في إحدى الليالي الحالكة الظلام , لم يستطع الجندي أن يشترى لنفسه شمعه لتنير له المكان الذي يعيش فيه الآن. .
و فجأة تذكر أن هناك قطعه صغيرة من الشمع في القداحة التي احضرها من الشجرة المجوفة التي كانت الساحرة الشريرة تريدها..
فأخذ القداحة و أخذ يحكها لكي يشعلها . ولكن......
ما إن قدح بضع شرارات من القداحة حتى انفتح الباب فجأة ووجد الجندي أمامه الكلب ذا العينين الواسعتين مثل فنجان الشاي.
وهو نفس الكلب الذي رآه في الكهف تحت الشجرة المجوفة.
قال الكلب: ما هي أوامر سيدي لعبده المطيع؟؟؟؟؟؟
صاح الجندي: أن هذا لضرب من الخيال ما هذه القداحة العجيبة؟؟؟؟ إذا كنت سوف تقدم لي ما أريد فاحضر لي في الحال بعض النقود.
و في خلال نصف دقيقة عاد الكلب و هو يحمل بفمه حقيبة كبيره مليئة بالنقود النحاسية.
و سرعان ما أدرك الجندي الفضائل النادرة للقداحة العجيبة.
فإذا
قدحها مرة أتى إليه الكلب الذي يجلس على صندوق النقود النحاسية و إذا
قدحها مرتان ، أتى إليه الكلب الذي يجلس على صندوق النقود الفضية. أما إذا
قدحها ثلاثة مرات فسوف يأتي إليه الكلب الذي يجلس على صندوق النقود
الذهبية.......
لقد
أصبح الجندي الآن من الأغنياء مرة أخرى و أصبح لديه الكثير من النقود ،
فعاد إليه ثانية كل أصدقائه وعاد إلى غرفته الفاخرة و ارتدى افخر الملابس ،
و ظن الناس انه رجل جليل الشأن و أصبحوا يعملون له ألف حساب كما كانوا
يفعلون من قبل....
و ذات يوم رأي من السخرية ألا يسمح لأحد أن يري الأميرة .
لقد قال الكل أنها رائعة الجمال ؛ أليس من العار أن تحبس في تلك القلعة الحجرية الكبيرة المحاطة بأسوار عالية ؟!
و قال لنفسه : "إنني أريد حقا أن أراها ؛ إذ أمكن تدبير هذا ، و لكن أين القداحة التي لدي ؟"
و قدح حجرها؛ فوقف الكلب ذو العينين الواسعتين مثل فنجاني الشاي.
بادره الجندي بقوله:: "اعرف إننا في وقت متأخر إلي حد ما، و لكنني أتوق إلي أن أري الأميرة ؛ و لو لحظة واحدة".
فخرج الكلب من الباب؛ وحتى قبل أن يستطيع الجندي أن ينظر حوله؛ عاد الكلب و معه الأميرة؛ و هي تجلس نائمة علي ظهره.
كانت جميلة جدا... جميله لدرجة مذهلة؛ في حد أن كل من يراها يعرف أنها الأميرة فعلا .
و ما كان من الجندي إلا أن جثا علي ركبتيه و قبل يدها .
و بعدها؛ هرع الكلب عائدا بالأميرة إلي القصر في اللحظة نفسها .
و
في الصباح التالي ، بينما كانت الأميرة تتناول طعام الإفطار مع الملك و
الملكة ؛ قصت عليهما ما رأته في الحلم الغريب؛ وأنها كانت تركب علي ظهر كلب
كبير ، و أنها رأت جنديا يجثو أمامها علي ركبتيه و يقبل يدها.
فقالت الملكة: "انه ضرب جميل من الاحلام حقا!".
و
طلبت من احدي سيدات البلاط المسنات؛بان تسهر مع الأميرة في غرفتها تلك
الليلة التالية؛ لتعرف إذا كان حلما بحق أم شيئا آخر يحتاج إلي الكشف عنه .
و
في الليلة التالية؛ اشتاق الجندي لرؤية الأميرة مرة أخري ؛ فأرسل الكلب
لإحضارها ، فانطلق ،و جري مسرعا كما فعل من قبل.و لكنه لم يكن سريعا إلى حد
أن تعجز السيدة العجوز الساهرة بجوار الفراش عن تعقبه.
فلبست خفين، و جرت و راءهما.
و رأت الكلب يحمل الأميرة إلى داخل بيت كبير.
وعندئذ قالت لنفسها:
إنني اعرف الآن ما على فعله.
و أخذت قطعه من الطباشير ،و رسمت على الباب دائرة بيضاء واضحة ، ثم عادت إلى القصر لتنام.
و
حمل الكلب الأميرة ليعود بها مره أخرى ، و لكن ، عندما رأى الكلب أن علامة
قد رسمت على باب البيت الذي يعيش فيه الجندي ، اخذ قطعه أخرى من الطباشير،
و رسم دوائر مشابهه على كل باب في أرجاء المدينة.
و في صباح اليوم التالي، جاء الملك و الملكة مع السيدة العجوز و ضباط القصر الملكي ، ليروا أين كانت الأميرة.
وقال الملك عندما اقبل إلى أول باب في الشارع عليه دائرة مرسومه بالطباشير:
ها هو ذا !!
فصاحت الملكة ، و هي تشير إلى باب ثان عليه علامة مشابهة:
يا عزيزي، أين عيناك؟
لابد أن هذا هو البيت.
فصاحوا جميعا بصوت واحد عندما اكتشفوا أن هناك علامات مرسومه على كل الأبواب:
لا لا هذا هو البيت بالتأكيد.
عجبا!!!!
هنا أيضا علامة.
وكان من الواضح أن بحثهم عن البيت سوف يكون بلا جدوى فكفوا عنه.
و
لكن الملكة كانت امرأة فطينة ماهرة؛ تستطيع أن تفعل أشياء أخري غير الركوب
في عربة؛ فأخذت مقصها الذهبي ، و قصت قطعة كبيرة من الحرير إلي شرط ، و
خاطتها معا ؛ لتصنع منها حقيبة صغيرة جميلة ، وملأت هذه الحقيبة بدقيق ناعم
، و ربطتها إلي خصر الأميرة ، ثم ثقبت الحقيبة بحيث يسقط الدقيق طوال
الوقت الذي تتحرك فيه الأميرة .
و
في تلك الليلة ؛ جاء الكلب مرة أخري ، وأخذ الأميرة علي ظهره ، و انطلق
إلي الجندي الذي صار متدلها في حبها ، و تمني لو كان أميرا حني يتزوجها .
و
لم ينتبه الكلب إلي أن الدقيق كان يتساقط شيئا فشيئا طوال الطريق من قصر
الأميرة إلي بيت الجندي ، و من بيت الجندي لدي العودة إلي القصر.
وعلي
ذلك عاد الملك و الملكة في صباح اليوم التالي ، و بسهولة وجدا المكان الذي
حملت إليه ابنتهما الأميرة طوال الليل و أخذا الجندي ، و ألقيا به في
السجن ، و هناك كان عليه أن يبقي .
أوه ؛ كم كان مظلما !و كم كان كئيبا! و كان علي السجان أن يدخل علي الجندي و يقول له أن من المقرر شنقه في الغد .
و لم يكن ليتقبل هذا الخبر علي أية حال .
و فضلا علي ذلك ؛ فان القداحة تركت بالغرفة في الفندق .
و
عندما جاء الصباح ؛ استطاع أن يري من خلال القضبان الحديدية الضيقة كل
الناس يهرعون من كل حدب و صوب في المدينة ؛ لكي يروه و هو ينشق .
و استطاع أن يسمع دق الطبول .
و في هذه اللحظة ؛ رأي الجنود يتجهون إلي المكان الذي سيتم فيه الإعدام . و رأي حشد من الناس كانوا يتزاحمون للوصول إليه!.
بين
الجماهير المحتشدة ؛ كان هناك صبى يتعلم الحرفة لدى صانع أحذية، و كان
يجرى بسرعة كبيرة إلى حد أن نعليه انخلعا من قدميه، و طارا، و اصطدما
بقضبان نافذة سجن الجندي ، فصاح الجندي :
قف.. قف.
يا صبى الحرفي الصغير.
لا فائده من مثل هذه العجلة.
إن التسلية الممتعة يا صبى الحرفي الصغير لن تبدأ حتى أجيء.
فإذا
هرعت إلى منزلي ، و أحضرت لي القداحة التي لدى هناك فسوف أعطيك درهما.. و
لكن، عليك أيضا أن تجرى كما لو كنت تطلب النجاة لنفسك.
راقت للصبي الفكرة فانطلق كما لو كان في سباق، و احضر للجندي القداحة ، ثم ...
حسنا سنسمع الآن ما حدث بعد ذلك!!!
خارج
المدينة، نصبت المشنقة، ووقف حولها الجنود و آلاف عديدة من الناس. و جلس
الملك و الملكة على عرشين عظيمين، و أمامهما جلس القضاة و مجلس الشورى
الملكي بأسره. و أحضر الجندي من السجن، ووقف على السلم. و كان الجلاد على
وشك وضع الحبل على رقبته و شنقه........ و عندئذ، التفت الجندي إلى صاحبي
الجلالة و قال:
إن آخر التماس لا ضرر منه لرجل تعس مسكين، و لا بد أن يلبى دائما.
و التمس منهما أن يسمحا له بالتدخين في غليون، و سيكون هذا آخر ما يدخن في حياته.
و لم يستطع الملك أن يرفض هذا الطلب الذي لا ضرر منه. فتناول الجندي القداحة و قدح حجرها........
مره.............
و مرتين..............
و ثلاث مرات..............
و
في لحظه و احده، وقفت هناك الكلاب الساحرة الثلاثة: الكلب ذو العينين
الواسعتين مثل فنجان الشاي، و الكلب ذو العينين اللتين مثل عجلتي الطاحونة،
و الكلب الثالث ذو العينين اللتين مثل برجين.
و صاح الجندي قائلا:
و الآن انجدوني !!!! لا تتركوني أموت شنقا!!!!
فانقضت
الكلاب الثلاثة على القضاة و المستشارين، و طوحت بهم عاليا في الهواء؟؟
عاليا جدا، لدرجه أنهم عند سقوطهم على الأرض تمزقت أجسادهم ....
و بدا الملك يقول: إننا ....، و لكن الكلب الهائل ذو العينين الواسعتين مثل البرجين لم ينتظر حتى يسمع ما لن يفعله جلالته.
و امسكه هو و الملكة، و قذف بهما في الهواء أابعد من ا لمستشارين، ففزع الجنود و الناس جميعا، و صاحوا في صوت و احد:
أيها الجندي الفاضل !!!
إنك سوف تكون ملكا لنا، و الأميرة الجميلة سوف تكون زوجتك و ملكة علينا!!!!
و هكذا اتجه الجندي إلى القصر ، و نصبت الأميرة ملكة، و هو أميرا ، و هو أمر أفضل لها كثيرا من أن تعيش في سجن القلعة الحجرية.