----------------------------------
القرد والنجار:
----------------------------------
زعموا أن قردًا رأى نجارًا يشق خشبةً و هو راكب عليها, و كلما شق منها ذراعًا ادخل
فيه وتدًا.فوقف ينظر إليه و قد أعجبه ذلك. ثم إن النجار ذهب لبعض شأنه فركب القرد
الخشبة و جعل وجهه قبل الوتد فلزم الشق عليه*, فكاد يغشى عليه من الألم. ثم إن
النجار وافاه فوجده على تلك الحالة, فأقبل عليه يضربه, فكان ما لقي من النجار من
الضرب أشد ممَا أصابه من الخشبة.و يضرب هذا المثل فيمن يتكلف من القول و الفعل
ما ليس من شكله.
____________________________________
*لزم الشق على ذنب القرد : قبض و ضغط عليه.
----------------------------------
الثعلب والطبل
----------------------------------
زعموا أن ثعلبا أتى أجمة فيها طبل معلق على شجرة, و كلما هبت الريح على أغصان
تلك الشجرة حرَكتها, فضربت الطبل, فسُمع له صوتٌ عظيم باهر. فتوجه الثعلب نحوه
لأجل ما سمع من عظيم صوته ; فلما أتاه وجده ضخــما, فأيقن في نفسه بكثرة الشحم و
اللحم, فعالجه حتى شقه. فلما رآه أجوف لا شيء فيه قال : لا أدري لعل أفشل الأشياء
أجهرها صوتا* و أعظمها جثة .
____________________________________
*أجهرها صوتا: أعلاها صوتا.
----------------------------------
القملة والبرغوث
----------------------------------
زعموا أنَ قملة ً لزمت فراش رجل من الاغنياء دهرا ً فكانت تصيب من دمه و هو نائم
لا يشعر , و تدبَ دبيبا رفيقا . فمكثت كذلك حينا حتى استضافها ليلة من الليالي
برغوث, فقالت له: بت الليلة عندنا في دم طيب و فراش لين. فأقام البرغوث عندها
حتى إذا آوى الرجل إلى فراشه و ثب عليه البرغوث فلدغه لدغة أيقظته و أطارت
النوم عنه, فقام الرجل و أمر أن يفتش فراشه فنظر فلم ير إلا القملة فأخذت فقصعت* و
فر البرغوث .
و يضرب هذا المثل نعلم أن صاحب الشر لا يسلم من شره أحد و يقال : إن استضافك
ضيف ساعة من نهار , و أنت تعرف أخلاقه , فلا تأمنه على نفسك , و لا تأمن أن
يصلك منه أو بسببه ما أصاب القملة من البرغوث .
____________________________________
*القصع: قتل القملة بتسويتها بين الظفرين.
=========== من كتاب كليلة و دمنة لعبد الله بن المقفع ==========