من قصص كليلة و دمنة - 2


----------------------------------
القرود والطائر والرجل
----------------------------------


زعموا أن جماعة من القردة كانوا ساكنين في جبل. فالتمسوا* في ليلة باردة ذات رياح

و أمطار نارا فلم يجدوا. فرأوا يراعة* تطير كأنها شرارة نار , فظنوها نارا و جمعوا

حطبا كثيرا , فألقوه عليها , و جعلوا ينفخون بأفواههم و يتروحون بأيديهم* طمعا في

أن يوقدوا نارا يصطلون* بها من البرد . و كان قريبا منهم طائر على شجرة ينظرون

إليه و ينظر إليهم, وقد رأى ما صنعوا فجعل يناديهم و يقول: لا تتعبوا أنفسكم فإن الذي

رأيتموه ليس بنار. فلما طال ذلك عليه عزم على القرب منهم, لينهاهم عما هم فيه, فمر

به رجل فعرف ما عزم عليه فقال له: لا تلتمس تقويم ما لا يستقيم, فإن الحجر الصلب

الذي لا ينقطع لا تجرَب عليه السيوف , و العود الذي لا ينحني لا تعمل منه القوس ,

فلا تتعب. فأبى الطائر أن يطيعه و تقدم إلى القردة ليعرفهم أن اليراعة ليست بنار,

فتناوله أحد القردة , فضرب به الأرض فمات .

____________________________________
 *التمس الشيء: طلبه و أراده.
*اليراعة: حشرة يتوهج ذيلها في الليل فتبدو و كأنها قطعة من نار.
*يتروحون بأيديهم: يحركون الرياح ليشعلوا النار.
*اصطلى بالنار: تدفأ بها.

----------------------------------
التاجر المستودع حديدا
----------------------------------
 

زعموا أنه كان بأرض كذا تاجر, فأراد الخروج إلى بعض الوجوه لابتغاء الرزق, و

كان عنده مائة منَ* حديدًا, فأودعها رجلا من إخوانه و ذهب في وجهه, ثم قدم بعد ذلك

بمدة, فجاء و التمس الحديد فقال له: قد أكلته الجرذان. فقال: قدْ سمعت أن لا شيء أقطع

من أنيابها للحديد. ففرح الرجل بتصديقه على ما قال و ادعى, ثم إن التاجر خرج فلقي

ابنــــًا للرجل, فأخذه و ذهب به إلى منزله, ثم رجع الرجل إليه من الغد فقال له: هل

عندك علم ٌ من ابني ؟ فقال له التاجر: إني لما خرجت من عندك بالأمس رأيت بازيا*

قد اختطف صبيا صفته كذا و كذا.. , و لعله ابنك.
فلطم الرجل رأسه و قال: يا قوم هلْ سمعتم أو رأيتم أن البزاة تختطف الصبيان ؟ فقال:

نعم, وإن أرضا تأكل جرذانها مائة منَ من حديد ليس بعجب أن تختطف بزاتها الفيلة.

قال له الرجل: أنا أكلت حديدك و هذا ثمنه, فاردد علي ابني.
و قد ضرب هذا المثل لنعلم أنه إذا صاحب أحد صاحبا و غدر بمن سواه , فقد علم

صاحبه أنه ليس عنده للمودة موضع .
____________________________________
*المنَ: وزن قوامه مائتان و ثمانون مثقالاً.
*البازي: طير جارح كالعقاب, و الجمع بزاة (بضم الباء).

----------------------------------
الذئب وقوس الوتر
----------------------------------
 

زعموا أنه خرج ذات يوم رجل قانص* و معه قوسه و نشابُه , فلم يجاوز غير بعيد

حتى رمى ظبيا , فحمله و رجع طالبا منزله , فاعترضه خنزير بريَ , فرماه بنشابة*

نفذت فيه , فأدركه الخنزير و ضربه بأنيابه ضربة أطارت من يده القوس ووقعا ميتين

. فأتى عليهم ذئب فقال: هذا الرجل و الظبي و الخنزير يكفيني أكلهم مدة, و لكن أبدأ

بهذا الوتر فآكله فيكون قوت يومي و ادَخر الباقي إلى غد فما وراءه, فعالج الوتر حتى

قطعه. فلما انقطع طارت سَية* القوس فضربت حلقه فمات . و يضرب هذا المثل في

الجمع و الادخار و سوء عاقبته.

____________________________________
 *القانص: الصياد.
* النشابة: السهم.
* سية القوس: ما يعطف من طرفيها.



=========== من كتاب كليلة و دمنة لعبد الله بن المقفع ==========